04 - 05 - 2025

تحت المجهر | متلازمة الإعمار والتهجير .. فاصل ونواصل

تحت المجهر | متلازمة الإعمار والتهجير .. فاصل ونواصل

في فاصل هستيري من الدعاوى الخارجة عن المنطق والقوانين الدولية والدساتير العالمية في أي دولة كانت ، يقف الشعب الفلسطيني الأعزل بعد أن أنهكته الحرب وجردته من كل ما يملك إلا الصمود والكرامة مواجها تحد جديد، ألا وهو التهجير القسري من بلاده بل واستبدال كلمة غزة بريفيرا الشرق.

طرح ترامب الذي ضرب بالقوانين الدولية عرض الحائط جاء وسط ضغوط غير مسبوقة على دول الجوار لإرغامها على تنفيذ مخططاته لصالح مدللة امريكا دولة الكيان الصهيوني المحتل .

وبالرغم من العاصفة التي أثارها طرحه إلا أن الرفض جاء قاطعا من دولتي الجوار ، وأصرت مصر والأردن على موقفهما من القضية الفلسطينية ، والحفاظ على هوية الفلسطينيين كأصحاب الأرض ورفض سيناريو تهجيرهم بأي شكل من الأشكال.

وفاجأت القاهرة واشنطن وتل أبيب بطرح محكم مبني على إمكانية إعادة الإعمار في أقل من ثلاث سنوات وبشكل كامل وبأياد فلسطينية.

خطة مصر لإعادة إعمار غزة تهدف إلى إعادة بناء القطاع وتعزيز وجود سكانه دون تهجيرهم، لإنتفاء المبررات التي وضعها ترامب من عدم إمكانية العيش في القطاع بعد دماره بشكل شبه تام.

الجانب المصري قدم اقتراحه بإزالة الأنقاض وتوفير المأوى المؤقت كمرحلة أولى ، بالإضافة إلى توفير مستشفيات ومدارس متنقلة لتلبية الاحتياجات العاجلة للسكان.

إدخال آلاف المنازل المتنقلة والخيام إلى مناطق آمنة، طرح مصري توازي مع رفع الأنقاض. بهدف بناء وحدات سكنية آمنة خلال عام ونصف في ثلاث مناطق بالقطاع، بمشاركة 24 شركة عالمية و شركات محلية عدة أبدت جميعها الرغبة الطوعية في المشاركة في عملية إعادة الإعمار لأسباب إنسانية قبل كل شيء.

إلا أن هذه الخطة تواجه تحديات عدة ابرزها التمويل، إذ تُقدر تكلفة إعادة إعمار غزة أكثر من 53 مليار دولار، وعلى الأقل 20 مليار دولار للسنوات الثلاث الأولى.

أضف إلى ذلك القيود الإسرائيلية المفروضة على المعابر لمنع دخول المواد الأساسية اللازمة لإعادة الإعمار.

ناهيك عن الإستقرار الأمني الذي تتطلبه الخطة لضمان تنفيذ أهدافها حسب الجدول المطروح ، وهو ما قد يكون تحديًا في ظل الظروف السياسية والأمنية الآنية.

السؤال الذي يطرح نفسه هنا ، هل تستطيع مصر حقا أن تقدم على تنفيذ هذه الخطة ، وهل لديها الإمكانيات والخبرات اللازمة لذلك ، هنا تجدر الإشارة إلى طرح أحد المطورين المصريين في سوق الانشاء والتعمير العربي والإقليمي والذي يمتلك مجموعة قامت بآلاف المشروعات العملاقة في مصر والدول العربية، هذا المطور قدم خططًا بديلة لإعادة إعمار قطاع غزة، تتضمن بناء 200 ألف وحدة سكنية في زمن قياسي.

على غرار ذلك قدمت نحو 50 شركة مصرية وأجنبية أخرى طلبات للمشاركة في جهود إعادة الإعمار، بتمويل يشمل أموالًا دولية وخليجية أيضا .

المتلازمة التى يخشى الكل منها والتي أشرنا إليها سلفنا في المقدمة وهي متلازمة الإعمار والتهجير ترتبط بشكل وثيق مع عملية الدمار الواسع للبنية التحتية في قطاع غزة ، إذ أدت الحروب المتكررة إلى تدمير شامل للبنية التحتية في غزة، بما في ذلك شبكات المياه والكهرباء والطرق والمباني السكنية، حتى أدى ذلك إلى نقص حاد في المياه بعد خروج  208 بئرا من أصل 306 آبار عن الخدمة .

كما خلفت العمليات العسكرية كميات هائلة من الركام تُقدر بحوالي 40 مليون طن، قد تستغرق 15 عامًا وتكلف ما بين 500 إلى 600 مليون دولار.

حتى طرح البعض إتخاذ النموذج الياباني في ردم البحر لعلاج هذه الأزمة وتوسيع نطاق الإعمار على مساحات جديدة قد تضاعف مساحة القطاع الحالية ، وتحل أزمة التكدس السكاني في القطاع ، وبالطبع تلغي بشكل نهائي افتراضية التهجير.

فهل تنجح الخطة المصرية في حشد الجهود العربية والدولية لإعادة الإعمار في القطاع ، والتي تُقدر بنحو 80 مليار دولار.

الأمر لن يقف على الجهود الخارجية ، بل يمتد لتوحيد الجهود الداخلية واحتواء الانقسامات السياسية ، والعمل على تشكيل لجنة فلسطينية لإدارة قطاع غزة، والتي تصر حكومة الكيان الصهيوني على عدم مشاركة حركة حماس فيها كشرط أساسي للسماح بأي جهد في هذا الإطار.

حيث ربط نتنياهو موافقته على مقترح مصر بإعادة إعمار غزة بضرورة تحقيق شروط إسرائيلية أمنية ، وضمان منع حماس أو أي فصائل مسلحة أخرى من تعزيز قدراتها العسكرية أو استخدام الموارد لإعادة بناء البنية التحتية العسكرية.

نزع سلاح الفصائل المسلحة في غزة جاء كشرط أساسي، تزامنا مع الهجمات الإسرائيلية المستمرة على المخيمات في الضفة الغربية ، كنوع من التصعيد في التوترات بين القوات الإسرائيلية والفصائل الفلسطينية، لا سيما في جنين ونابلس وطولكرم، وفي محاولة للضغط على الجانب الفلسطيني للقبول بسيناريو التهجير ، في حال عدم تسليم سلاح المقاومة ، ومن ثم إحباط كل محاولات إعادة الإعمار وإحباط تعزيز صمود الفلسطينيين سواء في القطاع او الضفة الغربية .

المتلازمة مستمرة منذ عقود ، ولن تنتهي ، وجهود الإعمار الجبارة تواجه ترسانة حربية مدعومة بصلف أمريكي ، في انتظار تنفيذ مخططاته .

نأمل أن تنجح جهود مصر والدول المشاركة في خطة إعادة الإعمار، وأن يحظى الشعب الفلسطيني بحقه في تقرير مصيره ، وسط دعم عربي واقليمي ودولي لقضيته العادلة.
-------------------------
بقلم: كوكب محسن

مقالات اخرى للكاتب

تحت المجهر | متلازمة الإعمار والتهجير .. فاصل ونواصل